اصل المعرفة(العقل) طريقة الحل: الاستقصاء بالرفع
طرح الإشكالية:إذا افترضنا أن الأطروحة القائلة (أن العقل هو المصدر الوحيد للمعرفة )أطروحة صحيحة وتقرر لديك دحضها فما عساك أن تصنع ؟ *طرح الإشكالية: من المسلم به أن الإنسان كائن عاقل ، الشيء الذي جعله يتميز عن غيره من الكائنات الأخرى ، فهو الكائن الوحيد القادر على فهم نفسه وإدراك ما يحيط من أشياء ومظاهر حتى أن هناك من اتخذ العقل المصدر الوحيد للمعارف فإذا تبين أن هذه الأطروحة صحيحة وكان علينا دحضها وتفنيدها فكيف يمكننا تحقيق ذلك ؟ (-) *محاولة حل الإشكالية : الجزء الأول (+) قبل إبطال ورفع الأطروحة يستدعي الأمر منا تحليل منطق الأطروحة إذ أن المنطق الذي يبني القول بأن العقل هو مصدر المعرفة هو المذهب العقلاني بحيث يطلق هذا الاسم على كل نزعة فكرية تقدس العقل وتجعل منه المصدر الأول لنهل المعرفة والأداة الأساسية التي تحرك كل المراحل المنطقية التي يسير عليها الإستدلال ، وهي نزعة تتعارض مع اللاعقلانية – الروحية ، الخرافية ، التجربة الحسية – فالعقلانية مذهب فكري يقول بأولية العقل ، وأن جميع المعارف تنشأ عن المبادئ العقلية القلبية والضرورية الموجودة فيه ، ومن أنصار هذا المذهب ديكارت والديكارتيون ، لينتز ، سبينوزا ، ما لبرانش ولهذه المصادرة مسلمات جزئية أربع نأخذ منها ما يلي : أولا : ترتد المعرفة الحقيقة إلى ما يميز الإنسان وما يميزه هو العقل وهذا العقل قوة فطرية لدى جميع الناس ، ينهلون منها المعارف لأن المعرفة تتأسس أصلا على مبادئ عالمية تعرف بالأوليات البديهيات وهي ثابتة وفي هذا المعنى يقول ديكارت : ( العقل هو أحسن الأشياء توزعا بين الناس ) ومثل هذه المبادئ مبدأ الهوية ومبدأ عدم التناقض ، والأولويات الرياضية كقولنا الشكل أكبر من جزئه وهذه المبادئ لا يشوبها الخطأ .ثانيا : من مميزات الحقائق التي يحكم بها العقل ، أنها كلية صادقة صدقا ضروريا لا يتطرق عليها الشك لأن هذه الحقائق تتميز بالضرورة والشمول فإذا كانت أ < ب< جـ فإن أ < جـ وهذا الحكم دوما يبقى صادقا .الجزء الثاني (-) : ولكن في مقابل ذلك اعتبار أن العقل هو مصدر المعارف ولا يمكن التسليم بالأفكار الفطرية الموروثة والمبادئ العقلية البديهية:وذلك لان المرء يكون قبل التجربة ،عبارة عن صفحة بيضاء،فهو لايفرق شيئا ويبدأ في اكتشاف العالم الخارجي عن طريق الحواس،بالإضافة إلى ذلك إننا نعرف الملموس قبل المجرد والخاص قبل العام ولا نصل إلى المجرد إلا انطلاقا من الملموس ،ولأن المبادئ لا يمكن أن تكون فطرية مثل لكل واقعة علة كما رفض التجريبيون أن يكون العقل قادرا على الوصول إلى أي علم يقيني ثابت بطريقة الفطرة وما تجود به من أولويات كلية وذلك لأن الأحكام العقلية تتغير بتغير الزمان و المكان وتختلف باختلاف ظروف الأعمال ومجالات البحث و الأحوال ولأنه أيضا يوضح وجود هذه المبادئ العملية الكلية و المعاني الفطرية أو الموروثة لتساوي في العلم بها الناس في كل زمان و مكان هذا ماذهب إليه التجريبيون أمثال فرنسيس بيكون ،جون لوك ،دافيد هيوم الجزء الثالث(+)(-): (+) يتضح بعد عرض منطق الأطروحة و إبطالها إننا في حاجة إلى حقائق كلية تحمل طابع الضرورة الداخلية يقطع النظر عن العالم الخارجي ،تبقى مطلقة وضرورية في ذاتها ووجب أن تكون مستقلة عن التجربة فالمعرفة الرياضية مثلا ضرورية تؤكدها التجربة اليوم وفي المستقبل ولهذا من غير الممكن الاعتقاد بان 1+1 يمكن أن يكون غير 2،كما أن العقل هو الذي يوفر اليقين والتماسك الذي يطمح إليه كل الباحث عن المعرفة و بفضله يهتدي الإنسان إلى اكتشاف خداع الحواس.(-) إلا أن المعارف لا يمكن أن نصل إليها من خلال العقل فقط ،أو لا بد من التجربة بحيث يقوم العقل كعضو نشيط بتحويل الإحساسات الحادثة إلى أفكار و الوقائع المشتتة إلى وحدة فكرية فالآثار الحسية هي المادة الخام التي تبدأها التجربة و الحفز على تنشيط العقل ،إن الإحساسات و الأفكار فيما يقول :كانط (آن الادراكات الحسية بغير المدركات العقلية عمياء ) أي (الحدوس بدون مفاهيم عمياء و المفاهيم بدون حدوس جوفاء) و أن قوانين الفكر هي قوانين الأشياء أيضا *حل الاشكالية(-): و أخيرا يمكن القول بأن مشكلة المعرفة مشكلة حقيقية تطرق إليها الفلاسفة و للخروج من الاشكالية يمكن القول بان الأطروحة القائلة إن العقل هو المصدر الوحيد للمعرفة أطروحة فاسدة و لابد من دحضها و تغنيدها و بالتالي التخلي عنها.