كان لي احد اصدقاء اسميه استاد في علم الحياة ، كانت له موهبة في رؤية الاشياء بواقعية ، درس في بعض مراحل عمره الرياضيات ، وكتب في مراحل اخرى بعض الادب ، وساهم بنشاط في بعض الجمعيات المدنية ، ثم اختفى من المكشهد ، بعد سنوات سنوات طويلة عرفت انه فتح دكانا لبيع المكواد الغدائية العامة واكتفي بمصروف الجيب .
فاجأني هدا الاسبوع بمكالمة هاتفية كريمة منه ، لخص لي فيها حياته ، تركت تدريس الرياضيات حين فقد هدا الشعب كل مفهوم لمبادئ الحساب والمنطق واصبح خطان متوازيان لا يلتقيان الا بمشئة الله . وهجرت حرفة الادب حين فقد معناه ولحقت هده الحرفة بمن لا ادب له ، وجمدت نشاطي في الجمعياة المدنية حين لم يعد لها من المدنية سوى حساب المال والامتيازات التي يتسولونها على باب الحكومة. والان ، نحن نعيش في عصر المواد الغدائية العامة - اي المواد الرخيصة لتغدية عامة الشعب - فاكتفيت في حياتي بالصبر ومصروف الجيب ؟
هدا الرجل تعلمت منه قاعدة دهبية في علم الحياة وهي ان تربية الشعوب تراها في الشارع ، لا داعي للبحث عنها في الكتب ولا في التاريخ ولا في الخطب السياسية الكادبة . ادا كان شعبا له مبادئ حضارية ستراها في سلوكه وتعامله مع الاخرين ، واهم هده المبادئ اطلاقا - حسبه - هي التسامح .وضرب مثلا : كيف نعرف ان الشعب متسامحا ؟ واجاب : من خلال السياقة .. ورائ مقود السيارة يعبر الانسان بأفضل الطرق عن مكوناته ، ونحن يظهر علينا في الطريق اننا شعب عنيف ، مستعجل ، اناني لا يحترم الاخرين ولا يخضع لاي قانون سوى عصى الشرطي .. والدي لا يعرف الاولوية في الطريق لا يعرفها في السياسة ولا في العلم ولا في الاخلاق ....