تصاعدت مؤخراً حملات إعلامية متبادلة بين المغرب والجزائر على خلفية أنباء عن حشود وتحركات عسكرية على حدود القطرين. وتعتبر الصحراء الغربية ساحة الصراع الإقليمي والعصب الحساس للخلاف بين رأسي المغرب العربي الكبيرين. والصحراء منطقة غنية بالفوسفات، سكانها 300 ألف نسمة، وتعتبرها المغرب جزءاً تاريخياً منها، أما الجزائر فقد جعلت من استقلالها المحور الناظم لسياستها الخارجية وتحالفاتها.
وقد أشعل جلاء إسبانيا عن الصحراء الغربية في أواسط السبعينات نزاعاً دموياً بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تطالب بالاستقلال بدعمٍ جزائري، امتد لعام 1991 عندما جمد النزاع سياسياً بوقف إطلاق نار صادقت عليه الأمم المتحدة، بعيد العدوان الثلاثيني على العراق. وهو ما يتعرض لاهتزازٍ شديدٍ الآن بعد ثلاثة عشر عاماً من توقيعه. وكان المغرب قد سيطر على الموقف العسكري بعد تشييده لجدار عازل حاصر خلفه البوليساريو في الثمانينات...
وقضية الصحراء الغربية تعاد إثارتها باتجاه تدويلها كما تشير المواقف والتطورات من لبنان إلى دارفور. وفي 4/10/2004 دعت أسبانيا، المعنية مباشرة بالنزاع الصحراوي، لدور أممي رئيسي، ولجعل الأمم المتحدة مرجعية الحل. موقف فرنسا، بالمقابل، أقرب للموقف المغربي، وهو الدعوة لتفاوض الجزائر والمغرب، الأمر الذي ترفضه الجزائر بشدة، معتبرةً أن التفاوض يجب أن يكون بين المغرب والبوليساريو.
وقد تبنت الأمم المتحدة خطة في تموز/ يوليو 2003 تقوم على حكم ذاتي للصحراويين مدة 4-5 سنوات يتبعه استفتاء يقررون فيه إذا ما كانوا يرغبون بالاستقلال أو بالسيادة المغربية. وقد حدثت خلافات حول هوية الصحراويين الذين يحق لهم التصويت، مما عطل تنفيذ الخطة، وأدى لاستقالة واضعها جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق بعد سبع سنوات من توسطه بتخويل من الأمم المتحدة.
هكذا، فتح باب تصاعد التوتر مجدداً، وأعاد مجلس الأمن التأكيد على خطة بيكر في نيسان/ أبريل 2004، على خلفية احتلال العراق، وبدأت حرب المذكرات للأمم المتحدة أخيراً بين الجزائر والمغرب والبوليساريو بالتوالي، فاعتبر بوتفليقة أن المغرب قوة احتلال في الصحراء، وأن الحل هو حق تقرير المصير للصحراويين، وأن مسألة الصحراء هي مشكلة تصفية استعمار. بالمقابل، اعتبرت المغرب أن الجزائر متورطة في النزاع منذ عام 1973، أي قبل اندلاعه بثلاث سنوات، من خلال دعمها العسكري واللوجستي والديبلوماسي والمالي للبوليساريو. وعلى صعيدٍ أخر، تتهم الجزائرُ المغربَ بتورطه بدعم الجماعات المسلحة في صراعها مع الحكم الجزائري منذ عام 1991.
ولا شك أن الخلاف المغربي-الجزائري حول الصحراء يعكس التنافس الإقليمي بالأساس، ورغبة كلا الطرفين بتحجيم الآخر في الإقليم، ولكنه يعكس قبل ذلك مشكلة التجزئة العربية والطريقة التي قسم فيها الاستعمار الفرنسي والإسباني بلدان المغرب العربي، تاركاً خلفه دائماً مشاكل حدودية مرشحة للتفجر.
وأبان احتلال الجزائر، كانت فرنسا تراها قطعةً منها، فاندفعت لقضم أراضٍ مغربية وتونسية، مما فجر حرب تندوف بين المغرب والجزائر عام 1963 بعيد التحرير، ثم نشأت حالة شبه الحرب مجدداً عام 1975. ومن هنا، تعتبر المغرب الصراع في الصحراء امتداداً للصراع مع الجزائر فحسب، وهو في الواقع صراع القطريات العربية الذي لا يمكن إلا أن ينتج قطرية عربية جديدة في الصحراء الغربية في أحسن الأحوال، بغض النظر عن الموقف من سياسيات الحكم المغربي داخلياً وخارجياً.
ولكن عقدة الصحراء الغربية في هذه اللحظة السياسية بالذات أصبحت مدخلاً للتدخل الدولي لتفكيك المغرب والجزائر، تماماً كمداخل دارفور ولبنان والكويت، وتفجرها مؤخراً يأتي متزامناً مع مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الهادف لإعادة صياغة الجغرافيا السياسية للمنطقة باتجاه التفتيت وتكسير المراكز الإقليمية.
ومشروع استقلال الصحراء الغربية اليوم يصب مباشرةً في طاحونة مشروع "الإصلاح" الأمريكي، تماماً مثل إضعاف سيادة السودان على دارفور أو انسلاخ لبنان إقليمياً. ومصلحة الأمة تكمن في مقارعة التدخل الدولي ورفض التفتيت تحت أي ذريعة، وهو ما لا يتعارض أبداً مع مقاومة قمع الأنظمة العربية وسياساتها.
وإذ نجحت الجزائر تاريخياً بحشد التأييد الدولي والأفريقي لاستقلال الصحراء، فقد وافق الحكم المغربي بالمقابل على استضافة "منتدى المستقبل" في كانون أول/ يناير 2004 لتبني مبادرة "الإصلاح" الأمريكية المسماة "الشرق الأوسط الكبير"، وكانت أمريكا قد واجهت صعوباتٍ جمة بإقناع الدول العربية باستضافته، فبات الخاسر من السياستين هو الأمة، والمغرب والجزائر!