هل للشعب يد في ضياع الدولة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته
في البداية كنت أظن أن الدولة فيها طرفان ظالم و مظلوم ، الشعب مظلوم و السلطة ظالمة، لكن بمرور الوقت و مع التخلي قليلا عن العاطفة و باستخدام العقل استطعنا أن نصل إلى قناعة بأن الدولة أربعة أطراف طرفين ظالمين و طرفين أحدهما مظلوم و الآخر يقف في الحياد، بالطرفين الظالمين هم السلطة و جزء من الشعب و الطرف المظلوم هو الجزء الآخر من الشعب و الطرف الذي يقف في الحياد هو الطرف الذي يرفض الظلم و لا قدرة له على نصرة المظلوم.
قد يستغرب البعض من كلامي هذا و قد يعتبره البعض نوعا من الشيتة غير المباشرة لكن أنا سأجيب بأنني إنسان يحب إراحة ضميره بقول كلمة الحق التي هي في الأخير خلاصة تجارب و خبرة ، و أنا كعاشق لوطنه فإنني دائم البحث عن حيثيات "ضياع الأمة" لأصل أخيرا إلا أنه من يهن يسهل الهوان عليه لهذا فنحن مظطرون لأن نعترف بأن الشعب ليس مظلوما 100/100 بل له أسهما كبيرة في ضياع الدولة و ببساطة لأنه قبل الهوان و طأطأ رأسه و في موضوعي الذي أرجو ألا يطول سأشرح كيف هان و استسلم .
في الأيام القليلة الماضية اضطررت أن أستأجر سيارة نقل حضري في مدينة باتنة ، و حين سألني السائق عن الوجهة أجبته "جامعة الحاج لخضر" فأعقب جوابي بمزحة قائلا"قصدك عمارة الحاج لخضر" قلت لا جامعة حينها أكد لي أنه كان يمزح و حين سألته عن سبب قوله هذا أجابني كالتالي:
"واحد النهار هزيت واحد جا من سكيكدة رح يسجل في فسديس، و كي جينا فايتين على جامعة الحاج لخضر شاف الكتيبة و قال "هذا مجمع سكني؟" قلتلو لا ، قاللي أمالا عمارة؟ قلتلو لا ، قاللي أمالا واشي هي؟ قلتلو جامعة و ضحك الطالب و قال حتى الجامعة مسمينها على الحاج لخضر؟ "
يقول السائق حين قال الطالب هذا الكلام دخلني شك و فضول و سألت الطالب " واش تعرف على الحاج لخضر" فأجاب الطالب بأن الحاج لخضر ممثل كوميدي يديروه كل رمضان ، يقول السائق و حين سألت الطالب هل هذا كل ما تعرفه عن الحاج لخضر؟ قال نعم ، قال السائق حينئذ أجبته و صححت معلوماته التاريخية بأن الحاج لخضر عقيد و مجاهد كبير ليبدو الطالب كالأحمق لأنه لا يهتم بتاريخه و أبطال التاريخ بقدر ما يهتم بالمسلسلات و أبطالها ، لتتجسد في فكري بأن الشعب معظم الشعب الجزائري لا يعرف تاريخه و لا يقرأ عن تاريخه و هم صورة طبق الأصل للفنانة التي تعرف "الشهيد خمسة جويلية" ، و هنا تأكد أن معظم الشعب لا يهمهم في الوطن لا تاريخ لا هوية لا ثقافة لا تراث لا دستور و لا أي شئ آخر غير الأكل و الشرب و لا ينتفض إلا إذا تعلق الأمر "بالكرش" و هذا ما لاحظناه في الأحداث التي سبقت الربيع العربي حين رفعوا سعر الزيت و السكر و انتفض الشعب لأن الأمر يتعلق بالـ"الكرش" و الكوزينة، لكن حين يتعلق الأمر بالهوية أو الأمة و مقدسات الأمة و رموز الأمة فإنه ينام على أذن و يضع القطن في الأخرى و كأنه أخرس و كأن الوطن لا يعنيه، و لكم أن تتأكدوا في المناسبات مثل رمضان شهر العبادة و الذي يتحول في الجزائر إلى شهر للعنف و كأنه موسوم جديد من رياضة المصارعة ، و في عيد الأضحى كذلك حيث بدل أن يفكروا فيما سيجنونه من حسنات و أجر إلا أنهم يفضلون الحج إلى الخضارين قبل أسبوعين من العيد ليخطفوا الخضر و الفواكه و كل ما له علاقة بالـ"الكرش" و كأنهم لا يأكولن الخضر و لا يشترون الفواكه إلا في هذا اليوم ، و المصيبة الكبرى أنني و خلال عودتي من أولاد عزوز توقفت عند عين ماء طبيعية و أنا أحمل "قنينتين بسعة 5 لترات للواحدة" وجدت شخصا أتى بـ دلاء و قارورات بما يكفي لـ5 عائلات كبيرة التعداد و أؤكد أنه لو اتسعت سيارته لأكثر من ذلك لما قصر في الإتيان بكل أوعية المنزل و دلائها ، فبقيت أحدث نفسي و أسألها هل كان الشخص الأوروبي سيأتي بمثل هذا العدد الهائل من الدلاء ؟ لا بالطبع لأنه إنسان راقي و إنسان يحترم الغير و إنسان يحب للناس ما يحب لنفسه مثلما يحث دين الاسلام، و هل تعلمون لما كل هذا العدد الهائل ؟ ببساطة لأنه العيد و كأني به في الأيام الأخرى لا يشرب.
عيب و الله على شعب لا يعرف الانتفاض من أجل الحق إلا إذا كان الحق يخدم "الكرش" عيب و الله على شعب يقول "نحن بخير" فقط حين يمتلئ بطنه، عيب و الله على شعب يقول الجزائر بخير فقط عندما يتمكن من شراء كبش العيد و لا يعلم أن غيره لم يصح له ذلك ، عيب و الله على شعب لا يرى في الجزائر غير الخبزة ، إن قلت له شكيب سرق أجابك بأنه لا علاقة له بشكيب فهو يحرص على الخبزة، عيب على شعب إن قلت أن هنالك تمديد و ترقيع في الدستور أجابه المهم ما يقيسوليش الخبزة، عيب على شعب لا يشتري كتابا تاريخيا و يشتري "مطبخ السيدة بوحامد" ، عيب على شعب يتابع نشرة الأخبار و هو يأكل "و حين يتصادف انتهاؤه من الأكل و خبر اختطاف طفلة بريئة" قال الحمد لله لأن تفكيره كان منصبا على الأكل.
و نستأذنكم في العودة إلى حكاية الطالب السكيكدي الذي لا يعرف "الحاج لخضر المجاهد" فإن السائق أكد لي و أقسم أنه خلال رحلة له إلى مدينة سوسة التونسية التقى ببائع لزيت الزيتون و هو تونسي، أكد أن هذا الرجل التونسي قص عليه تاريخ الأوراس و أكد له بأنه مولع بتاريخ الجزائر و الأوراس لدرجة أنه يعرف المجاهد الكبير عمار ملاح و الذي أبصم بالعشرة أن الأغلبية لا يعرفونه، فكيف سننهض بأمتنا و الغريب يسوق لنا تاريخنا و نحن نسوق له الكباش؟