استفتاء السودان .. هل يفتح الباب لبلقنة أفريقيا؟
مع بدء الاستفتاء الشعبي الذي تشهده السودان في الوقت الحالي، تتعالى التحذيرات من التداعيات التي يمكن أن تترتب على انفصال جنوب السودان عن شماله؛ إلا أن ما يزيد الأمر سوءًا هو المخاوف من انتقال عدوى الانفصال إلى مناطق أخرى بالقارة الإفريقية لتتحول إلى دويلات صغيرة، وتبدأ إفريقيا في الدخول في عملية "بلقنة" بحسب ما وصفها الصحافي البريطاني "ديفيد سميث".
ويرى سميث أن البعض يخشى من أن يكون الاستفتاء على انفصال الجنوب السوداني هو المحك للعناصر الانفصالية في أنحاء القارة الإفريقية. وقال سميث في مقال له بعنوان (هل يفتح استفتاء السودان الباب لبلقنة إفريقيا؟) أن:
إذا كان ذلك في جنوب السودان، فلما لا يكون كذلك أيضًا في جنوب نيجيريا أو شمال ساحل العاج أو الكونغو؟ فالاستفتاء السوداني ينطوي على إشارات لإفريقيا بأسرها؛ حيث يُعلن أن الحدود التي وضعها رسامو الخرائط في المستعمرات لم تعد مقدسة. غير أن البعض يخشى من أن الأمر قد يحفز عملية بلقنة تجتاح القارة الإفريقية.
وقال "شيهو ساني"، رئيس منظمة مؤتمر الحقوق المدنية في نيجيريا، أن "الاستفتاء في السودان يمكن أن يكون له تأثير أحجار الدومينو ... فمن المرجح أن يكون له صفة الانتقال لأجزاء أخرى من إفريقيا من حيث كون معظم البلدان، وخصوصًا في غرب القارة، منقسمة بين مسيحيين ومسلمين."
والحدود العشوائية سيئة السمعة في القارة الإفريقية- والتي تجاهلت الفوارق العرقية والثقافية والسياسية- كانت قد رسمتها بريطانيا وغيرها من القوى الأوروبية في مؤتمر برلين عام 1884- 1885. ومنذ 50 عامًا عندما بدأت المستعمرات في الحصول على استقلالها، أعلنت منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليًا) أن الحدود القائمة ثابتة وغير قابلة للتغيير، نظرًا لكون البدائل ستبدو كنافذة زجاجية مهشمة من آلاف الدويلات المتناحرة..
وقد انفصلت إريتريا عن إثيوبيا عام 1993 بعد ما يقرب من 30 عامًا من الحرب، إلا أنها كانت بالفعل كيانًا منفصلاً عنها في حقبة الاستعمار. ومن ثم فإن تقسيم السودان، وهو أكبر دول قارة إفريقيا، من شأنه أن يمثل تحديًا غير مسبوق للوضع التاريخي القائم.
وجاري حاليًا مراقبة الاستفتاء عن كثب في نيجيريا، الدولة الأكثر سكانًا في إفريقيا والتي لديها شقاقاتها العنيفة أحيانًا بين الشمال ذي الغالبية المسلمة والجنوب المسيحي الغني بالنفط.
وقال ساني إن: "ما يحدث في السودان يثير الكثير من المخاوف، وخاصة في نيجيريا، والتي هي تكوين من صنع الاستعمار ...و كان من المعتقد أن هزيمة تمرد بيافرا (وهي محاولة انفصالية جرت عام 1967 وأدت إلى حرب أهلية) قد جعل فكرة الانفصال مستحيلة، إلا أن السودان قد أحيا الفكرة. وسيكون السودان من الآن دائمًا نقطة مرجعية للتقسيم والانفصال. حيث سيغذي قضية من يقولون لا يمكننا أن نتعايش معًا وينبغي أن يمضي كل منا في طريقه المنفصل. كما سيدفع الانفصاليون في نيجيريا على التفكير بالمثل."
وخلال الأسابيع الأخيرة الماضية، أثارت الأزمة السياسية في ساحل العاج- حيث يقاوم الرئيس "لوران جباجبو" دعوات بالتنحي عن السلطة- المخاوف من تجدد الحرب الأهلية، التي يُنظر إليها على نطاق واسع بأنها بين مسلمي الشمال ومسيحيي الجنوب. ما يجعل الانفصال الدائم قد يبدو حلاً مغريًا على المدى الطويل.
غير أن التقسيمات في ساحل العاج أكثر تعقيدًا من مجرد فوارق دينية. وبالمثل في كلٍ من السودان ونيجيريا، والتي تضم أكثر من 250 جماعة عرقية. فالتباين القبلي والتراثي والثقافي واللغوي والاجتماعي والاقتصادي، وكذلك التهميش السياسي واختلافات الوصول إلى الموارد الطبيعية والشقاق بين الريف والحضر وبصمات الاستعمار يمكن أن يتم التلاعب بها جميعًا لإشعال التوترات.
وأمام العديد من المتغيرات، يمكن للدولة القومية أن توفر مركز ثقل واستقرار. ولكن إذا ما حدث، كما هو متوقع، وصوت الجنوب السوداني لصالح الاستقلال، فإنه من المرجح أن يكون هناك ولو قلة من مناطق إفريقيا ستضعه محط الاهتمام. فإقليم أرض الصومال يسعى للحصول على اعتراف دولي بانفصاله عن الصومال، والمتمردون في جيب كابيندا يطالبون بالانفصال عن أنجولا، كما أن المغرب رفضت عدة مقترحات تطالبها بإجراء استفتاء على استقلال إقليم الصحراء الغربية.
ويرى "جريج ميلز"، مدير مؤسسة 'برنثرست' للدراسات وصاحب كتاب (لماذا إفريقيا فقيرة؟)، أن إعادة النظر في الثوابت القديمة أمر صحي، وقال أن: "ترسيم الحدود وغياب المناقشة بشأنها قد وفر الحماية للحكومات المستبدة"، مضيفًا أن ذلك "كان يعني أن الشعوب الإفريقية ليس لديها وسيلة تذكر للمقاومة إلا التمرد المسلح. والسودان يوضح الطريق أمام بعض الدول، ولكن ليس جميعها."
"والخطر الكامن هو الكونغو. فقد أنهكها الرئيس السابق موبوتو وأبقى على تفككها، كما تم تهميش العديد من الجماعات. وكانت إدارة كينشاسا كافية بالنسبة له ولم يكن مضطرًا لبسط سلطته لتشمل جميع أنحاء الدولة. أما اليوم، فإن شعب الكونغو يرفض تصديق أنه قد يكون من الأفضل إدارة بلدهم كدويلات صغيرة".
وتضم إفريقيا فسيفساء من الدول حديثة النشأة، إلا أن شعوبها مفعمين بالوطنية مثلهم مثل الجميع عندما يتعلق الأمر بكرة القدم. ويقول "فريد سوانيكر"، مؤسس أكاديمية القيادة الإفريقية، "لا أرى استفتاء السودان شرًا كصندوق بندورا. فبالرغم من أن الحدود الإفريقية الأصلية لم تكن بالضرورة قد تم ترسيمها بطريقة منطقية، أعتقد أنه بعد 50 عامًا من الاستقلال صارت معظم الدول تتقبلها وتتعايش معها... على أية حال، هناك مزيد من الضغوط على هذه البلدان من أجل إزالة الحدود وبناء كتل إقليمية لتحقيق اقتصاديات بالمستوى الذي يمكنه أن يتنافس مع الصين والبرازيل والهند."
ترجمة/ شيماء نعمان نقلا عن: مفكرة الاسلام: 12/1/2011 http://natourcenter.com/web/news_view_6484.html