أمير الأوراس أمير
| موضوع: المخابرات السرية الأحد ديسمبر 12, 2010 7:15 am | |
| إن المخابرات السرية هي مجال للنشاط الانساني يبدو فيه – كما هو الحال غالبا – أن الوضوح ليس سوى ظاهرة يكتنفها الغموض . وليس هذا فقط شيئا متأصلا في أعمال المخابرات ولكنه غالبا شئ متعمد , وليس من النادر أن يئول إلى الفشل , ولنأخذ لذلك مثالا بسيطا عن " الشبيط " وهو نوع من السمك الرخو الذي يفرز من جسمه سائلا أسود اللون , لإخفاء اتجاه تحركه عن عدو كامن متربص له .. فالذي يحدث هو أن عدو الشبيط لن يحاول فقط إختراق تلك السحابه المظلمه ( وهي محاوله من المحتمل أن تؤدي إلى الفشل ) بل أنه أيضا سوف يحسب , من خلال معلوماته عن التيارات المائيه , والتكوين الصخري تحت الماء , وما إلى ذلك , اتجاه النجاة المحتمل أن يسلكه عدوه أو فريسته . وفي غضون ذلك قد يصاب الشبيط نفسه بالارتباك , ويضل طريقه في المتاهة السرية التي خلقها بنفسه , بل وربما لازمه سوء الحظ , فما أن يبرز من تلك السحابة السوداء حتى يجد نفسه مباشرة بين فكي عدوه .
وثمة مثال آخر للمخابرات السرية , يتمثل في الخداع " البلف " الذي يمارسه لاعب البوكر . ذلك أن أي لاعب بوكر يعرف طبيعة هذا النوع من الحيل الخادعة . فهو ببساطة يستطيع بحركة بارعة يبديها اثناء المقامره , اقناع لاعب أو أكثر من خصومه بأن لديه أوراقا أفضل مما لديهم , فينسحبون رغم أن أوراقهم هي الافضل , وعندئذ يكسب اللاعب الماهر نقودهم , دون ان يكشف لهم أوراقه " السرية " . وثمة حيلة أخرى أكثر تعقيدا تعتمد على سلسلة من أعمال " البلف " لاقناع الخصوم , بأنه يخدعهم فعلا مرة أخرى ( وعندئذ يحسبون انه ليست لديه أوراق تتفوق على ما لديهم بينما هو في الحقيقة يملك أوراقا ممتازة تكسب ما لديهم ) . والحق ان الجمع بين أعمال الخداع " البلف " واللا خداع والخداع المضاد , تكاد أن تكون بلا حدود . ولاعب البوكر الماهر يمكنه أن يكسب الكثير من المال وبذا يتيسر له أن يدفع لزوجته أو لعشيقته ما يمكنها من التعامل مع أفضل صانعي الأزياء !
ومن أنواع الخداع ايضا ما يعتبر لونا من العبث , مثل المكالمات التليفونية المجهولة , عن وجود قنبلة في مكان ما كمحطة سكة حديد كبرى مما يؤدي إلى اخلائها من الناس .
ان هذه الأمثلة السابقة المأخوذة من الحياة اليومية العادية , هي مجرد نوعين من بين آلاف غيرها , مما يمكن أن نقابلها كثيرا , وان لم يكن بصفة مستمرة . بيد انه يجمع بينهما جميعا صفة مشتركة , وهي التنافس بين القدرات العقلية , مما يعني وجود علاقة قائمة على التعارض بين طرفين . وهذا قد يتراوح من المنافسة الودية بين المقامرين أو الرياضيين إلى العداء القاتل بين الدول أو الاديان أو الأيديولوجيات . وهذا النوع يهمنا بالدرجة الأولى , كما يهمنا بدرجة أقل ما يتفرع منها من أعمال الدعاية والتخريب .
على أن معظم أعمال المخابرات ليست سرية مطلقا . وهذا صحيح – بصفة خاصة – في المجتمعات العصرية المفتوحة , التي يمكن أن يشار اليها هنا – لملاءمة الواقع – بالدول الديموقراطية , أي الدول التي تملك – في زمن السلم – صحافة حره وحدودا مفتوحه , وتتبادل فيما بينها بعثات دبلوماسية وأنشطة تجارية , وتتبع أنماطا متشابهة في الأخلاقيات السياسية. | |
|