مركز الناطور للدراسات والابحاث
أكملت الأطراف السودانية استعداداتها لإنفاذ عملية انقسام السودان إلى دولتين، إحداهما شمالية، والأخرى جنوبية: فما هي حقيقة هذا الانقسام؟ وما هي تداعياته الداخلية والخارجية؟ وهل سيتوقف الأمر على السودان أم هناك المزيد، وعلى وجه الخصوص في البلدان الأفريقية والعربية والآسيوية، وربما الأوروبية كما يقول بعض رموز وزعماء جماعة المحافظين الجدد؟
* ملف انفصال جنوب السودان: أين وصلت التطورات؟تأكد لجميع الأطراف السودانية والعربية والأفريقية والدولية بأن نتيجة استفتاء تقرير مصير جنوب السودان الذي سوف يتم عقده يوم الأحد 9 كانون الثاني (يناير) 2011 الجاري سوف تكون هي التصويت بنسبة لا تقل عن 90% لصالح انفصال الجنوب وإقامة دولة مستقلة، وفي هذا الخصوص تشير التطورات الجارية إلى الآتي:
• مؤشر الخلافات: توجد المزيد من الخلافات السودانية الشمالية-الجنوبية ومن أبرزها: ملف ترسيم الحدود، ملف مصير منطقة أيبي المتنازع عليها، ملف توزيع حصص مياه النيل، ملف عائدات النفط، ملف سداد الديون الخارجية، ملف المواطنة والجنسية، ملف الجنوبيين المقيمين في الشمال، ملف الشماليين المقيمين في الجنوب، ملف حقوق الرعي للقبائل الرعوية التي تتقدم في فصل الجفاف داخل الجنوب والقبائل الجنوبية التي تتقدم في فصل الخريف نحو الشمال، ملف العملة، ملف تصفية القروض والميديونيات الداخلية، ملف العلاقات المستقبلية بين دولة الشمال ودولة الجنوب.
• مؤشر التوافقات: توجد العديد من التوافقات السودانية الشمالية-الجنوبية حول عدد من الملفات أبرزها: ملف شفافية ونزاهة الاستفتاء، ملف الاعتراف المتبادل بنتائج الاستفتاء، ملف احترام حق المواطن السوداني الجنوبي في ممارسة حرية الاختيار الطوعي لما يريد عبر صناديق الاقتراع، ملف عدم استخدام أي طرف للقوى المعارضة للطرف الآخر والقيام بتسليحها ودعمها لجهة محاربة الطرف الآخر، ملف التعاون الطوعي في القضايا العامة، ملف تهدئة الحملات الإعلامية الساعية بواسطة كل طرف لإثارة الكراهية ضد الطرف الآخر.
عند معايرة معطيات مؤشر الخلافات مع معطيات مؤشر التوافقات نلاحظ أن التوافقات تتميز بالهشاشة وقابلية الانهيار أمام معطيات مؤشر الخلافات والتي تبدو أكثر خطورة لجهة تحريك مفاعيل الصراع والتنازع بين الطرفين.
* ما هي المخاطر التي سوف يعززها انفصال جنوب السودان؟
تشير المعطيات الجارية إلى أن انفصال جنوب السودان سوف تترتب عليه المزيد من التداعيات البالغة الخطورة على المنطقة العربية والأفريقية، بما في ذلك السودان نفسه، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
- المخاطر على مستوى جنوب السودان: سوف تعاني دولة جنوب السودان من صعوبات بالغة الخطورة: الانغلاق الجغرافي، الخلافات الإثنية المرتفعة، انعدام البنيات التحتية، وتشير التوقعات إلى أن التحدي الأول الذي سوف يواجه الجنوب هو اشتعال الحرب الجنوبية-الجنوبية، وقد بدأت أولى المؤشرات الدالة على ذلك من خلال: الخلافات السياسية بين الأحزاب السياسية الجنوبية البالغ عددها 70 حزباً، القتال الدائر حالياً داخل الجنوب في ثلاثة مناطق وذلك بسبب تمرد ثلاثة من كبار قادة الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية، تزايد الخلافات الإثنية إزاء تحدي كيفية النجاح في إدارة التنوع العرقي-الإثني بما يضمن لإثنيات الجنوب البالغ عددها حوالي 200 مجموعة إثنية كبيرة وصغيرة.
- المخاطر على مستوى شمال السودان: سوف تعاني دولة شمال السودان من صعوبات خطيرة، وإن كانت أقل خطورة من تلك التي سوف تعاني منها دولة الجنوب، وتجدر الإشارة إلى أن المخاطر التي سوف تواجه الشمال يتمثل أبرزها في: احتمالات تصاعد تمرد دارفور خاصة وأن بعض الأطراف الدارفورية المتمردة بدأت السعي من أجل المطالبة بحق تقرير المصير أسوة بجنوب السودان، احتمالات أن تسعى حكومة جنوب السودان إلى تصعيد الخلافات والعداوات التاريخية مع الشمال وعلى وجه الخصوص في الملفات المتنازع عليها، احتمالات أن يؤدي اشتعال الصراع الجنوبي-الجنوبي المسلح إلى اتهام الحكومة الشمالية بأن المسئول عن دعم الحرب الجنوبية الداخلية بما يؤدي إلى قيام واشنطن بالسعي لفرض المزيد من العقوبات على شمال السودان.
- المخاطر على المستوى العربي: سوف تعاني الدول العربية من انتقال عدوى الانفصال وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بمشاكل الأقليات، وقد بدأت بواكير انتقال العدوى في شمال العراق على خلفية تصريحات بعض الزعماء الأكراد لجهة المطالبة بحث تقرير المصير إضافة إلى بدايات ظهور ما يعرف بملف حماية المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي ظهرت معالمه في أزمة انفجار بغداد الذي استهدف إحدى الكنائس وانفجار الإسكندرية الذي استهدف كنيسة القديسين وإضافة لذلك توجد ملفات لأقليات أخرى، منها أزمة الملف الأمازيغي في بلدان المغرب العربي وأزمة الملف ذوي الأصول الأفريقية الموجودين في جنوب موريتانيا المتاخم للحدود مع السنغال إضافة إلى أزمة ملف تقرير مصير الصحراء الغربية بين الحكومة المغربية والبوليساريو.
- المخاطر على المستوى الأفريقي: سوف تبدأ تداعيات انفصال جنوب السودان تمارس حضورها داخل دول الجوار الإقليمي الأفريقي المنقسمة حالياً، فسكان جنوب أثيوبيا سوف يسعون إلى دعم الحركات الانفاصلية بما يتيح لهم إقامة دولة الأردمو، ونفس الشيء بالنسبة للأقلية الموجودة في شرق أثيوبيا والساعية لإقامة دولة الأوغادين، أما بالنسبة لكينيا فإن حالة الانقسام الثنائي بين قبيلة الكيكويو وقبيلة اللاوو سوف تتزايد سخونتها أكثر فأكثر بما يعيد للأذهان الصراع السياسي الكيني الداخلي الذي اندلع بين نفس القبيلتين على خلفية نتائج الانتخابات العامة البرلمانية الكينية السابقة، وبالنسبة لأوغندا فإن حركة جيش الرب المسلحة سوف تجد المزيد من الدعم والحافز المعنوي الذي سوف يتيح لها مواصلة الصراع المسلح ضد الحكومة الأوغندية. وبالنسبة لشرق الكونغو زائير، فإن احتمالات انفصال شرق الكونغو وبناء دولة مستقلة سوف يكون أمراً وارداً خلال الفترة القادمة، أما بالنسبة لدولتي رواندا وبوروندي فتقول التوقعات بأنها سوف تتعرض لاحتمالات الانقسام إلى دولة لإثنية التوتسي وأخرى لإثنية الهوتو. أما بالنسبة لتنزانيا فإن الأمر سوف يكون مأساوياً لأنها تنقسم إلى 124 إثنية.
بالنسبة للمخاطر على المستوى الدولي، فهي وإن كانت تبدو وكأنما هي قليلة التأثير، فإن التسريبات غير المعلنة تقول بأن تأثير هذا الانفصال سوف يكون كارثياً إذا نجح المخطط الأمريكي الرامي لاستغلاله لجهة التفاهم مع بعض الأطراف الدولية من أجل إحداث بعض التعديلات في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، بما يعطي حجماً أكبر لجهة استخدام بنود الفصل السابع كمحفزات للتدخل الدولي تحت دعاوي ومزاعم الحفاظ على حقوق الأقليات العرقية والإثنية واللغوية، وبكلمات أخرى، يمكن أن يتم استغلال واقعة تقرير المصير وانفصال جنوب السودان كـ(سابقة) دولية يتم تعميمها بواسطة أمريكا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لجهة إلزام دول العالم الثالث الأخرى بإعطاء حق تقرير المصير للأقليات المطالبة بالانفصال، أو مواجهة العقوبات الدولية وربما التدخل العسكري الدولي.
نقلا عن: الجمل: قسم الدراسات والترجمة 5/1/2011 http://natourcenter.com/web/news_view_6444.html