علاقة الاستخبارات الامريكية برجال الحكم
إن مصر كانت ولم تزل هدفاً للمخابرات الأمريكية منذ زمن طويل وتحديداً قبل قيام ثورة يوليو ،1952 وفي هذه الفترة بدأت خطوط الاتصال السري عن طريق عميل أمريكي يدعي مايلز كوبلاند، وعن طريق رجل مخابرات أمريكي اسمه كيرميت روزفلت ، وكان الهدف في تلك الفترة إنقاذ الملك فاروق من قيام ثورة شيوعية أو فوضي عارمة.. إلا أن موظفي دائرة التخطيط في قسم الشرق الأدني وأفريقيا كانوا يسمون هذا الملك بالزير السمين.. ولما فشلت العملية قرر الضابط والعميل ركوب موجة الزمن الآتي عندما استشرفا ملامحه وبدآ اتصالاتهما بالضباط الأحرار لتشجيعهم علي الانقلاب ودعمهم بالنصائح والمنشورات والأجهزة.
ودخل كوبلاند مصر تحت غطاء شركة بوزألن أند هملتن باعتباره موظفاً يجيد اللغة العربية عام ،1952 ونجح الأمريكان في إجراء اتصالات مع أعلي القيادات المصرية، خاصة - جمال عبدالناصر- قبل أن يصبح رئيساً..
وعلي حد اعترافات كوبلاند في كتابه - اللاعب واللعبة- نجح في أن يخلق مركز دعاية للولايات المتحدة الأمريكية في إحدي الصحف المصرية التي وصفها جمال عبدالناصر في ذلك الوقت بأنها وزارة خارجية أمريكية تحت الأرض.. وفيما بعد اطلق علي جمال عبدالناصر في تقارير المخابرات الأمريكية »الديك الرومي« لأنه الرئيس الذي يزهو بنفسه منفوش الريش والذي يسهل استفزازه.
ومن جمال عبدالناصر إلي أنور السادات الذي قال عنه بوب وود في كتابه - الحجاب-: إن السادات جعل من مصر حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة وقامت هي في المقابل بتزويده بمعدات إلكترونية متطورة وإمكانيات بشرية لكشف محاولات الانقلاب وركبت أجهزة التنصت في العديد من الأماكن الحساسة، وكان يعامل رجال المخابرات الأمريكية كما لو أنهم رجاله في بعض الأحيان!!
بينما أشار وليم كولبي مدير المخابرات المركزية الأسبق إلي أن السادات كان بالنسبة لنا ثميناً للغاية، ليس من النوع الذي تدفع له الوكالة لتسيطر عليه، ولكنه فتح بلاده للمخابرات المركزية وللمصالح المشتركة.. ولكنه في الوقت نفسه ـ علي حد تعبيرهم ـ خطر جداً، فهو يشبه شارعاً باتجهين يمكن أن يصيب أحداً علي جانبيه.. ورغم ذلك فشلت المخابرات الأمريكية في إقناعه بتوقيع اتفاقية لتحويل رأس بناس إلي قاعدة أمريكية، ومنع المخابرات الأمريكية من التغلغل في الجيش، ورفض اقتراحها بأن تراقب له كبار الضباط وتتنصت علي مكالماتهم.. ثم كانت الفضيحة الكبري للمخابرات الأمريكية بعدم قدرتها علي التنبؤ باغتيال السادات.
وبسبب تلك الضربة طلب وليم كيس مدير المخابرات السابق إضافة مزيد من المصادر البشرية والإلكترونية في كل مكان لمعرفة ما إذا كان هناك أحد يريد اطلاق النار علي الرئيس الجديد.. وزار كيندي مصر وزار محطة المخابرات الأمريكية بها وتصور الجميع أن الوضع الجديد سوف يدعم من قوة المخابرات الأمريكية في مصر.
عمليات التجسس
في عام 1989 كشفت أجهزة الأمن المصرية عن شبكة تجسس أمريكية ضمت طالبين شقيقين مصريين وزوجة أحدهما وضابطاً أمريكياً يدعي نيكولاس رينولدز كان هدفها إعداد تقارير عن حالة الأوضاع الطائفية في مصر وردود الأفعال بين الطلبة في الجامعة وإعداد معلومات عن البطالة وعن الجماعة الإسلامية في القاهرة والصعيد.. وهي القضية التي انتهت ببراءة الزوجة وهروب الضابط وأحد العميلين، والحكم علي الآخر بعشر سنوات سجناً...
وللحقيقة أن السفارة الأمريكية بالقاهرة التي تعمل خمسة أيام فقط في الأسبوع، فإن مكتب الأمن الإقليمي الكائن بالدور السادس في مبناها يعمل يومياً وعلي مدي 24 ساعة بحراسة 30 من جنود المارينز والتي تتمركز في ثمانية مواقع بالسفارة و300 من رجال الأمن المصريين والموزعين علي مواقع مختلفة في السفارة..
وليس كل الأمريكيين في السفارة سواء خاصة بالنسبة لأولئك الذين يسمح لهم بالتنقل بين الطابق التاسع والطابق الخامس عشر، حيث تقع أهم مكاتب السفارة بما في ذلك مكتب السفير الأمريكي..
و مهمة مكتب الأمن بالسفارة هي:
الاتصال بالبوليس المصري وجهات الأمن الأخري..
وتوفير النصيحة للسفير في كل الشئون المتعلقة بالأمن..
وتأمين كل الشخصيات الأمريكية المهمة الزائرة لمصر..
والقيام بالتحريات لصالح الهيئات القانونية الأمريكية لتوفير المعلومات الخلفية..
وكذلك التحريات حول التنظيمات الجهادية ومحاولات التجسس والإشراف علي قوة الأمن المحلية بالسفارة .
وإدارة نظم الأمن والإنذار بالسفارة..
وتوفير معلومات حول الأحوال الأمنية للموظفين وعائلاتهم..
وحماية المعلومات السرية..
والإشراف علي أمن المناطق السكنية للأمريكان بتسيير 11دورية راكبة بالمناطق التي يقيم بها الأمريكان خاصة وسط البلد والمعادي..
وتوفير المعلومات للقطاع الخاص الأمريكي بالنسبة للأمور ذات الصلة بالأمن.
وإذا كانت أمريكا تضع شروطاً معينة للسماح للمسافرين إليها فمن الذي يتحقق من توافر هذه الشروط، هل أجهزة الأمن المصرية أم جهازا »F.B.I وC.I.A« خاصة أن قائمة الممنوعين من دخول أمريكا تضم فئات الاسلاميين والأشخاص الذين لهم أهداف عدوانية ضد الولايات المتحدة، بالإضافة إلي قائمة من الأمراض.
وفي مارس 2003 أكد مصدر بالسفارة الأمريكية بالقاهرة أن مكاتب F.B.I بالقاهرة وعمان وتل أبيب طلبت نشر العشرات من عناصر العملاء الذين استأجرهم المقر الرئيسي لمراقبة المناطق الحدودية الأردنية والتي كان من المتوقع أن تشهد سفر عشرات أو مئات الآلاف من المصريين المغادرين لبغداد عائدين إلي القاهرة.. عملاء الـ F.B.I الذين راقبوا الحدود بلغ عددهم أكثر من 180 عميلاً، وكانت مهمتهم رصد المصريين الذين أمضوا سنوات طويلة بالعراق، علي اعتقاد أمريكي بأنهم عملاء لحزب البعث ولهم علاقات بالمسئولين العراقيين.. ولتسهيل مهمة عملاء F.B.I طلبت الإدارية الأمريكية من سفيرها بالقاهرة إمداد المراقبين بأسماء المصريين عن طريق علاقاته الخاصة مع القيادات الكردية وبعض العناصر الأمنية المتعاونة سراً مع أمريكا.. ورجحت مصادر السفارة الأمريكية بالقاهرة أن يكون السفير الأمريكي حصل بالفعل علي قوائم تضم أهم المصريين والأردنيين المطلوبين أمريكياً.. وتم التنسيق بين السفيرين الأمريكيين بالقاهرة والأردن عن طريق مكاتب F.B.I بالقاهرة والأردن وتل أبيب بوضع كاميرات متطورة بمنطقة الرويشد تتصل بسفارات أمريكا بالقاهرة وتل أبيب وعمان.
وفي الحقيقة إن مكتب F.B.I بالقاهرة يحظي بسمعة جيدة بين الأجهزة الأمنية الأمريكية علي حسب تأكيد »روبرت موللر« المدير العام لمكتب التحقيقات الفيدرالية أمام الكونجرس الأمريكي عندما امتدح المكتب قائلاً: إن مكتب القاهرة أنجز ما لم ينجزه مكتب من مكاتب الجهاز الخمسة والخمسين المنتشرة حول العالم، وذلك عقب تفجير مبني سفارتي أمريكا بنيروبي ودار السلام، حيث يعد الأفضل في جمع المعلومات والأسرع وصولاً إليها، كما أنه قاد عملية جمع الأدلة الأولية عن حادث التفجير.
تقارير الخارجية الأمريكية أكدت أن مكتب القاهرة استطاع التنسيق المسبق مع الحكومة المصرية أن يشارك أجهزة الأمن المصرية في العديد من التحقيقات الخاصة بأحداث 11 سبتمبر وفي بعض الأحيان يرسل عدداً من المتهمين إلي القاهرة للتحقيق معهم وإعادتهم إلي نيويورك مرة أخري، وكذلك نجح المكتب في الصعود إلي السفن المارة بقناة السويس لتفتيشها عقب حادث المدمرة الأمريكية »كول« في أكتوبر عام 2000.. ولكل هذا فإن الإدارة الأمريكية تعول علي مكتب القاهرة بشكل كبير في إحباط أي محاولة تستهدف المصالح الأمريكية بالشرق الأوسط حتي لو اقتضي الأمر حسب ما جاء في تصريح - جاي روكفيلر- بالتحرش بعملاء النظام العراقي لإيقاف خطورتهم.
وفي تقرير لإحدي الصحف المصرية التي أخذته عن »نيويورك تايمز« أكدت بروز اسم مصر في الملفات المخابراتية الأمريكية لتعقب إدارة بوش أحد المصريين المتهمين بالعراق، ويدعي »محمد المصري الذي تتهمه أمريكا بأنه المسئول الأول عن المعامل العراقية المتخصصة لاختبار الأسلحة الاستخباراتية وتجهيز المباني اللازمة لإخفائها وتجهيز القنابل والمتفجرات بجميع أنواعها وتزويد عملاء المخابرات العراقية بأحدث أنواع كاميرات التصوير وأجهزة الاتصال.. وتجنيد العشرات من الصحفيين وأعضاء مجلس الشعب المصري ورجال الأعمال المصريين ليعملوا لصالح النظام العراقي.
بينما يؤكد مسئول بالسفارة الأمريكية بالقاهرة أن الأمريكان لديهم معلومات مؤكدة عن الاسماء الواقعة وقت الغزو الأمريكي للعراق تحت المراقبة، وهذه المعلومات متوافرة لديهم منذ أكثر من عام مضي قبل الحرب.
كيف يعمل مكتب الاف بي اي في القاهرة ؟
من المتعارف عليه أن C.I.A تعمل في العالم ومصر تحت ستار عدد من الشركات من بينها شركات التنقيب عن البترول والسياحة والاستيراد والتصدير.. فهل »F.B.I« تعمل في مصر بنفس الطريقة؟ وهل يدخلون علي أنهم رجال أعمال مثلما فعل – كوبلاند- رجل المخابرات الأمريكية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي؟!.. وهل يعملون فقط من داخل السفارة الأمريكية أم يستأجرون شققاً وفيلات في مناطق مختلفة من محافظات الجمهورية ليمارسوا من خلالها نشاطهم التجسسي؟!.
والاجابة: إن أجهزة الأمن في العالم تعمل بنفس الطريقة من خلال الشركات ورجال الأعمال وغيرها من الصور، وما هي إلا ستار تعمل من خلالها أجهزة الأمن مثل F.B.I بل تعمل دائماً علي تطوير شكلها والبحث عن الجديد، وأمريكا بارعة في ذلك!!
ففي قلب قاهرة المعز.. ومن أرقي احيائها.. تحولت السفارة الأمريكية إلي أكبر وكر للتجسس علي مصر.. التجسس علي مؤسسات الدولة عن طريق عملاء أمريكان.. التنصت «.. تجنيد عملاء مصريين.. دفع ملايين الدولارات لبعض المنظمات والأحزاب المشبوهة، تحت زعم دعم النشاط الأهلي وتدعيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.. عقد لقاءات سرية مع التنظيمات التي تعمل تحت الأرض.. إعداد تقارير وملفات عن تطور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية في مصر.
هذا ما يقوم به المكتب التابع لجهاز المخابرات المركزية الأمريكية بالقاهرة C.I.A والذي تولي رئاسته عدد من أكفأ رجال المخابرات الأمريكية، والذين غالباً ما يجيدون التحدث باللغة العربية.
وإذا كان ما سبق ليس غريباً، وليس سراً، حيث إن معظم السفارات الأجنبية في معظم دول العالم، يعمل بها جواسيس يمدون بلادهم بالمعلومات عن الدول التي يعملون بها.. لكن الغريب في هذه القضية، هو العدد الكبير والمتزايد من رجال المخابرات الأمريكية في مصر.. وتزايد نشاطهم المشبوه.. والأكثر غرابة هو قيام واشنطن بافتتاح مكتب تابع للمباحث الفيدرالية F.B.Iفي سفارتها بالقاهرة، ليعمل جنباً إلي جنب مع جهاز مخابراتها.
ورغم أن المباحث الفيدرالية الأمريكية، جهاز يشبه مباحث أمن الدولة في مصر.. ولا يمتد نشاطه خارج الولايات الأمريكية.. إلا أن افتتاح فرع له في القاهرة يثير العديد من الشبهات.
و داخل مصر، توجد عدة مؤسسات أمريكية تمد مكتب المخابرات المركزية الأمريكية، ومكتب المباحث الفيدرالية بالمعلومات والتقارير.. وهي:
1: الجامعة الأمريكية بالقاهرة
2 :المركز الثقافي الأمريكي
3: مراكز البحوث الأمريكية
وازداد الأمر خطورة بعد تحالف السفارتين الأمريكية والإسرائيلية بالقاهرة في تزايد عمليات التجسس واختراق المؤسسات من جانب.. وتبادل المعلومات المخابراتية من جانب آخر، وهي معلومات تصب في النهاية لخدمة تل أبيب.
فمنذ8 سنوات من السرية والتكتم، والغموض يحيط بمكان في قلب القاهرة وتحديدا في حي جاردن سيتي حيث تقع السفارة الأمريكية.. ففي عام 1997 تمت إقامة مكتب للمباحث الفيدرالية الأمريكية داخل مقر السفارة إضافة الي مكتب المخابرات الأمريكية ومنذ هذا التاريخ وكل الأجهزة الرسمية المصرية تلتزم الصمت الرهيب حول وجود هذين المكتبين اللذين يتولان عمليات التجسس وتجنيد العملاء وتوزيع الأموال السرية علي بعض الجمعيات الأهلية والمنظمات المشبوهة بهدف تحقيق المصالح الأمريكية في مصر.. والسؤال الذي يفرض نفسه: اذا كان للولايات المتحدة الأمريكية مكتب لجهاز مخابراتها في السفارة الأمريكية بالقاهرة C.I.A وهو جهاز يتولي عمليات التجسس وجمع المعلومات وتجنيد عملاء لأمريكا فما هو الداعي لإنشاء مكتب للمباحث الفيدرالية F.B.I في ذات السفارة وفي نفس الدولة؟!
يتبع ............